من هنا صارت برامج التعلم الذاتي في تعليم اللغات الأجنبية مطلبا ملحا لكثير من المراكز والمؤسسات.
2. تتبوأ اقتصاديات المعرفة مكانة هامة وأساسية بين غيرها من أشكال الاقتصاد، لقد اشتد الطلب خاصة في العقد الأخيرعلى التعامل مع البرامجsoft-wares والآلات الأجهزة ard-wares التجارة الإلكترونية ومختلف الإمكانات التي تنتج المعرفة أو تيسر تبادلها. ولقد نتج عن هذا :
أ) ربط المعرفة بنتائجها، وما يسفرعن تطبيقها من منتجات.
ب) سرعة التطبيق لما تتفتق عنه أذهان المبدعين في هذا المجال. فلم تعد هناك مسافة بين الفكر والعمل، بين النظرية والتطبيق، بين الأيدلوجي والتكنولوجي.
ج) سن القوانين واللوائح التي تحرم أشكال الاعتداء على حقوق الآخرين في ذلك (الملكية الفكرية وبراءات الاختراع ..).
د) التزايد المضطرد في إنتاج البرامج الكمبيوترية وغيرها من منتجات المعرفة المحضة، فضلا عن التفنن في توظيفها في عمليات التعلم والتعليم ..
هـ) ظهورما يسمى بعلم العلم أو ما وراء العلم كما يطلق البعض، وتعميق النظرة إلى الأسس والمنهجيات وليس فقط العائد والمنتجات.
و) اتساع الهوة بين من يملك المعرفة ومن لا يملكها. وما كان لهذا كله أن يمر دون أن تنعكس آثاره على تعلم اللغات الأجنبية وتعليمها.
ز) التكامل بين المعرفة الأكاديمية المتخصصة والمهارات الوظيفية المرتبطة بها مثل التحليل والتركيب والنقد وحل المشكلات والكفاءة التكنولوجية ..
3. زيادة الاهتمام بالبعد الثقافي في تعليم اللغات الأجنبية. العلاقة بين اللغة والثقافة لم تعد محل جدل أو محور نقاش. إنهما كالعملة الواحدة ذات الوجهين. ولقد دفعت وثاقة العلاقة بينهما أن اعتبرت الثقافة مهارة خامسة تصاحب زميلاتها من المهارات اللغوية الأربع؛ الاستماع والكلام والقراءة والكتابة. ومع وضوح ذلك إلا أن بعض برامج تعليم اللغات الأجنبية وكتبها لم تعد تعطي هذا البعد اهتمامه الذي يستحقه؛ حتى دخلنا في عصر العولمة الذي شهد جهودا مكثفة من الدول المتقدمة، وأمريكا على وجه الخصوص، لتهميش الثقافات المحلية والتقليل من شأن الدول النامية والقوميات لحساب قومية عالمية في عالم القطب الواحد ..
والملاحظ أنه على نقيض ماتتمنى الثقافة الأجنبية العالمية الواحدة (الأمريكية) فإن الثقافات المحلية بدأت يشتد عودها وبدأ الاحساس بالذاتية الثقافية يتعاظم لدى الشعوب، واستجمع كل منها مالديه من قوى لصد التيار القادم. فظهرت الدعوات إلى العودة للذات والترحم على الماضي والتمسك بالتقاليد التي بدأت تتحلل أمام التقاليد الوافدة .. وهذا كله فرض على برامج اللغات الأجنبية أن تعيد نظرتها للثقافة مفهوما وتعليما.
4. ارتفاع مستوى المهارات العقلية والأدائية التي صارت تلزم الإنسان المعاصر ليعيش في المجتمع المعاصر ويتواكب مع اتجاهات التطوير فيه. أصبح على الإنسان كي يضمن له موقعا في المجتمع، ناهيك أن يكون موقعا جيدا، أن يمتلك من مهارات التفكير والبحث والتحليل والنقد مايؤهله لتحقيق آماله. وليس هذا في نطاق ملكات الإنسان فقط بل تعداه إلى مختلف أشكال الأداء : فلم يعد مجرد إنجاز العمل مطلبا أو غاية، بل أصبحت إجادته والوصول به إلى أقصى ما يستطيع الإنسان من إتقان هو المطلب والغاية. نحن الآن في عصر التميز.. عصر الجودة الشاملة وليس عصر " ليس في الإمكان أبدع مما كان " ولهذا بالطبع انعكاساته على تعليم اللغات الأجنبية .. أصبحت مهارات التفكير الناقد والإبداعي والتأملي والعلمي والتحليلي وحل المشكلات والاستقصاء.. أصبحت هذه كلها موطن الاهتمام في برامج تعليم اللغات الأجنبية ولم يعد الأمر مقتصرا فيها على تعلم نطق كلمات أو تركيب جمل..
5. النظرة التكاملية في تعليم المهارات الإنسانية في مختلف المجالات. لقد سادت حتى وقت قريب نظرية التحليل الدقيق للمهارات والتجزئة لمايقدم فيها من برامج التدريب ومناهج التعليم، وذلك منذ قدم سمبسون وزملاؤه تصورهم للمجال النفسي حركيpsychomotor domain واختلف الموقف الآن. وأصبحت النظرية التكاملية integrative والتحليل الكليmacro في مقابل النظرية التجزيئية والتحليل التفصيليicroـanalysis صارمن مكونات عملية تعلم اللغات ما يسمى بتحليل الخطاب discourse-analysis تحليـل الأعراف والـتقاليد الـثـقـافـية والاجـتـمـاعة socio-cultural وغيرها من أشكال التحليل الكلي للظواهر. وكان لا بد أن ينعكس هذا على تعليم اللغات الأجنبية بشكل عام وتعليمها لأغراض خاصة بشكل خاص!.
6. تحول الاهتمام من التعليم الى التعلم. لم يعد محور الاهتمام الآن جهد المعلم في الفصل قدرما أصبح مايسفرعنه هذا الجهد عند المتعلم نفسه.. صار المتعلم وما يتوفر لديه من معلومات وقيم واتجاهات ومهارات هو معيار العملية التعليمية الأساسي .. ولقد كثرت البرامج التي تركز على الدور الإيجابي للمتعلم بعد أن كان سلبيا فيما مضى، وفي مجال تعليم اللغات الأجنبية تتعدد برامج تدريس الأقران peer teaching والتدريس التشاركي participatory وغير ذلك من برامج تؤكد على المتعلمين أفرادا وجماعات. لقد حلت النظرية البنائية Constructive في التعلم والتي تؤكد على دورالمتعلم وإيجابيته وقدرته على أن يتعلم بنفسه، وعلى قيمة صناعة المعنى meaning making.. حلت هذه النظرية محل النظرية السلوكيةbehavioristic التي كانت تؤكد على نمطية السلوك ووحدة الاتجاه تقريبا (مثيرـ استجابة) وعلى التكرار أساسا في تعلم اللغة ..
7. التقدم الهائـل في أبحاث علم النفـس التربوي خاصة فـي مجال معالجة المعلومات information processing وأنماط التعلم learning styles. لقد جدت في هذه الساحة نظريات كثيرة وظهرت تجارب غيَرت كثيرا مما ألفه الباحثون حول التعليم وآلياته، وما يدور في عقل الانسان عند تلقي المعلومات وآليات اكتساب اللغة الأجنبية وغير ذلك من أفكار ونظريات تزخر بها الكتب الحديثة في علم اللغة النفسي. وكان لابد أن ينعكس هذا على طريقة تدريس اللغة داخل الفصل.
8. التقدم الهائل أيضا في دراسات الشخصية والتجارب التي عالجت القضايا المختلفة الخاصة بالنمو الإنساني والتي أجمع الكثير منها على أن البعد وجدانيaffective domain من أكثر الأبعاد أهمية في تعلم الإنسان. ليس فقط في تلقي المعرفة وإنما في إنتاجها. الإنسان تحكمه عواطف وميول واتجاهات وقيم. ولقد كان من المتوقع أن تتزامن مع هذه النظريات نظريات أخرى في تعليم اللغات الأجنبية تركز على البعد الوجداني في تعلمها وتعليمها. فصرنا نسمع عن التدريس الوجداني affective teaching للغات الأجنبية والتدريس التأمليreflective والتدريس التفاعلي interactive والمدخل الإنساني humanistic approach والمدخل الكلي holistic والتدريس الإرشاديcounselling وصارالاهتمام بالمتعلم كإنسان.
9. تنوع أساليب التقويم، فلم تعد المدارس والمعاهد والجامعات أسيرة للاختبارات التحصيلية أو الأشكال التقليدية التي يقاس بها مدى تقدم الطالب. صار هناك اهتمام بالتقويم الذاتيSelf-assessment ، وتقدير الحاجات needs-assessment والسجل التقويمي portfolio، فضلا عن شمول التقويم وتغطية مختلف جوانب التقدم عند الفرد بما في ذلك قراءاته الخارجية، وميوله واهتماماته المتجددة، وثقافته العامة وغيرها.
ولهذا بالطبع مردوده في برامج تعليم اللغات الأجنبية، ووجد طريقه سهلا. فتعددت الكتابات حول التقويم الذاتي والسجل التقويمي في هذا المجال.